جلسة مجلس الأمن للتصويت على قرار يخص الصحراء.. قراءة في "المصير" الذي سيؤول إليه تصويت الأعضاء الـ 15

 جلسة مجلس الأمن للتصويت على قرار يخص الصحراء.. قراءة في "المصير" الذي سيؤول إليه تصويت الأعضاء الـ 15
الصحيفة - خولة اجعيفري
الخميس 30 أكتوبر 2025 - 14:58

في نيويورك، حيث تُدار معارك الدبلوماسية العالمية بصياغات دقيقة وجمل محسوبة على المقاس، يستعد مجلس الأمن الدولي، خلال الساعات المقبلة، لحسم فصل جديد في واحد من أقدم النزاعات الإفريقية وأكثرها حساسية، وهو قضية الصحراء.

هذه المرة، جلسة مجلس الأمن لن تكون جلسة شكلية لتجديد ولاية بعثة "المينورسو"، بل لحظة اختبار حقيقية لموازين القوة الدبلوماسية التي أعاد المغرب تشكيلها خلال العقد الأخير، وللمدى الذي بلغته مبادرة الحكم الذاتي عند المجتمع الدولي كـ"خيارٍ جادٍّ ونهائي" للحل.

الولايات المتحدة، حاملة القلم وصاحبة مشروع القرار، دفعت بمسودة جديدة تدعو إلى تمديد ولاية بعثة المينورسو لثلاثة أشهر، لكنها في العمق تكرّس تحولا نوعيا في الخطاب الأممي من الحديث عن "استفتاء تقرير المصير" إلى التأكيد على "واقعية ومصداقية" مقترح الحكم الذاتي الذي قدّمه المغرب سنة 2007، ولم يكن الأمر صدفة، فالمسودة نفسها صيغت بتوازن محسوب بين دعم المسار السياسي الذي يقوده المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، وبين تثبيت المبادرة المغربية كمرجعية واقعية للحل الدائم.

وواشنطن ليست وحدها في هذا الرهان، فإلى جانبها فرنسا، التي أعلنت رسميا صيف العام الماضي اعترافها بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، لتتحول من حليف تقليدي إلى داعم معلن للموقف المغربي إلى  جانب بريطانيا التي بدورها خرجت عن تحفظها التاريخي، معتبرة الحكم الذاتي "الخيار الأكثر قابلية للتطبيق"، بينما تميل كل من روسيا والصين إلى الامتناع دون تعطيل القرار، حرصا على إبقاء مصالحهما المتشعبة مع الطرفين.

أما الأعضاء غير الدائمين في المجلس، فينقسمون على نحو يعبّر عن خريطة النفوذ الجديدة للمغرب داخل القارة الإفريقية وأوروبا اللاتينية. سيراليون والصومال وسلوفينيا وبنما وكوريا الجنوبية أعلنت في بيانات مختلفة دعمها العلني للمبادرة المغربية، فيما يتوقع أن تمتنع الجزائر العضو غير الدائم، عن التصويت لتجنّب عزلة سياسية داخل المجلس، في وقت تميل فيه "غيانا" وحدها إلى الاصطفاف إلى جانب جبهة البوليساريو. 

التقديرات الدبلوماسية تشير إلى أن القرار سيمرّ بأغلبية تتراوح بين 12 و13 صوتا مؤيدا من أصل 15، ما يعني أن المغرب في طريقه نحو انتصار أممي جديد دون الحاجة إلى معركة فيتو أو مواجهة مفتوحة.

لكن ما يجعل جلسة اليوم مختلفة عن سابقاتها هو أن المغرب لم يعد في موقع الدفاع أو التوضيح، بل في موقع المبادرة وتثبيت المكتسبات، فخلال الأسابيع الماضية، كثّف وزير الخارجية ناصر بوريطة تحركاته داخل العواصم الأوروبية والآسيوية لتأمين شبكة دعم صلبة لمشروع الحكم الذاتي، كان آخرها إعلان بلجيكا دعمها العلني للمبادرة المغربية واعتبارها "الحل الأكثر جدية ومصداقية"، وهي خطوة انضمت بها بروكسيل إلى باريس ومدريد وبرلين وواشنطن في صفّ واحد، لتغدو المبادرة المغربية قاعدة إجماع داخل الغرب السياسي.

على الضفة الأخرى، تعيش جبهة البوليساريو لحظة عزلة غير مسبوقة داخل المنظومة الأممية، بعدما فقدت دعم عدد من الدول الإفريقية واللاتينية التي كانت تعتبرها "حركة تحرر"، إذ أغلقت أو جمّدت علاقاتها بها أكثر من عشرين دولة خلال السنوات الخمس الأخيرة، كما أن الجزائر، الداعم المالي والسياسي للجبهة، تواجه ضغوطا متزايدة داخل المجلس بسبب خطابها المتصلب وعجزها عن تقديم بديل مقنع أو رؤية تفاوضية جديدة، ما جعلها تتبنّى خيار "الامتناع الحذر" لتجنّب مزيد من الانتقادات.

التصويت المتوقع اليوم، وإن بدا إجراء روتينيًا في الشكل، يحمل مضمونا سياسيا عميقا، فهو يكرّس التحوّل من "نقاش نزاع" إلى "ترتيب حل"، ويؤشر إلى نهاية زمن الغموض الأممي حيال طبيعة الحل المقبول دوليا.

فمشروع القرار الأمريكي، كما تسرب من مصادر دبلوماسية في نيويورك، يتحدث للمرة الأولى عن "الدعم القوي لمبادرات الحكم الذاتي كسبيل واقعي ومتوافق مع مبادئ الأمم المتحدة"، وهي صيغة تُعد الأقرب حتى الآن إلى الاعتراف السياسي الكامل بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

التحليل الدبلوماسي يذهب إلى أبعد من ذلك، فتمرير القرار خلال السعات المقبلة، سيعني عمليا تثبيت الحكم الذاتي كإطار نهائي للحل، وتحويل بعثة المينورسو من بعثة "استفتاء" إلى بعثة "مواكبة للحكم الذاتي"، أي نحو دور أكثر واقعية في حفظ الاستقرار ودعم التنمية وهو ما ينسجم مع رؤية المغرب الذي ضخ استثمارات ضخمة في البنى التحتية والمدن الجنوبية، وفتح أكثر من ثلاثين قنصلية لدول إفريقية وعربية في العيون والداخلة.

وفي المقابل، قد يشهد المستقبل القريب تراجعا إضافيا في نفوذ جبهة البوليساريو على المستوى الإقليمي، خاصة مع التحول الذي طرأ في مواقف بعض حلفائها التقليديين مثل كينيا وبنما أما الجزائر، فستجد نفسها في موقع صعب بين واقع أممي جديد يُقرُّ بمغربية الصحراء وبين خطاب داخلي متشدد يصعب التراجع عنه دون كلفة سياسية.

إذاً، نحن أمام جلسة لا تُعيد فقط تأكيد الوضع القائم، بل ترسم ملامح مرحلة مقبلة من إدارة الملف على قاعدة السيادة المغربية والحكم الذاتي الموسع. فحتى وإن اختارت بعض الدول الامتناع عن التصويت، فإن الرسالة السياسية باتت واضحة وهي أن المجتمع الدولي لم يعد يتحدث عن "تقرير مصير" بقدر ما يتحدث عن "تنفيذ حلٍّ واقعي" تحت السيادة المغربية.

وهكذا، تدخل قضية الصحراء المغربية اليوم مجلس الأمن بوجه جديد، أكثر نضجا واستقرارا وتأييدا، وتخرج على الأرجح بقرار يعيد ترتيب أوراق المنطقة برمتها، ويؤشر إلى أن الرباط لم تعد مجرد طرف في نزاع، بل محورا لصياغة حل إقليمي تدعمه القوى الكبرى ويباركه منطق الواقعية السياسية.

وفي مرحلة ما بعد القرار الأممي، يُنتظر أن يتحرك المغرب في ثلاثة مسارات متوازية تؤكد نضج استراتيجيته في إدارة الملف أولها المسار الدبلوماسي والسياسي، حيث ستسعى الرباط إلى تثبيت هذا التحول الأممي كمرجعية رسمية داخل الأمم المتحدة، من خلال تكثيف الاتصالات مع العواصم الإفريقية والأوروبية التي لم تحسم موقفها بعد، بهدف بناء كتلة حرجة داعمة للحكم الذاتي في الجمعية العامة وفي مجلس حقوق الإنسان.

أما المسار الثاني فهو التنموي والاقتصادي، إذ يدرك المغرب أن تثبيت الحكم الذاتي سياسيا لا يكتمل إلا بترجمته ميدانيًا داخل الأقاليم الجنوبية عبر مشاريع كبرى تجعل من الداخلة والعيون نموذجين حيّين للاندماج الاقتصادي، وربما بوابتين إفريقيا لأوروبا والمحيط الأطلسي لذلك ستستمر الاستثمارات في البنيات التحتية والموانئ والمناطق الصناعية، وستُعزّز الشراكات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في مجالات الطاقات المتجددة واللوجستيك البحري والصيد.

المسار الثالث، هو المؤسساتي والدبلوماسية البرلمانية، إذ يتوقع أن يتحول البرلمان المغربي إلى فاعل ميداني في تثبيت المكاسب عبر تفعيل شبكة مجموعات الصداقة والترافع في المحافل البرلمانية الدولية، مستفيدًا من التجربة التي راكمها في معركة اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي وهذا الانخراط البرلماني سيسمح للمغرب بإحكام قبضته الناعمة على مساحات التأثير داخل الرأي العام الأوروبي والدولي، وتحصين مكتسباته أمام أي محاولات لإعادة تدوير الملف داخل اللجنة الرابعة أو أمام محكمة العدل الأوروبية.

وفي المجمل، فإن قرار مجلس الأمن المنتظر الذي سيمدد في الواقع صلاحية خيار استراتيجي نجح المغرب في تحويله من مبادرة تفاوضية إلى قاعدة دولية للحل، وهي لحظةٌ قد يُكتب فيها أن الرباط غادرت موقع الدفاع نهائيا، لتبدأ مرحلة الفعل والتثبيت تحت سقف السيادة الكاملة وبعنوان عريض الحكم الذاتي ليس ورقة تفاوض، بل واقع سياسي يكتمل اعترافه خطوة بعد أخرى.

ما يجب قوله للإسبان في مدريد؟

في الوقت الذي تعقد فيه الحكومة الإسبانية ونظيرتها المغربية، اليوم الخميس، بمدريد الدورة الثالثة عشرة من الاجتماع الرفيع المستوى، مع ما يعكس ذلك من تطور كبير في العلاقات الثنائية بين ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...